وما خلقت الجن
لقد بدأتْ سورة الذَّاريات بالقَسم بالقوى التي لا يَملِكها الإنسان مثل الرياح، وهي قد تأتي بالخير أو الدمار، والسَّحاب الذي قد يأتي بالخير أو الصَّواعِق، والسفن التي تَجري في البحر، وقد تأتي بالرِّزق، وقد يُنجِّي الله بها من يشاء ويُغرِق من يشاء، والملائكة كذلك الذين يَنزِلون بالبشارة أو بالعذاب؛
يقول تعالى: ﴿ وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا * فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا * فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا * فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا ﴾.
وأَقسَم الله بها بأنَّ ما وعَدَنا به لواقِع؛ ﴿ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ ﴾ وكما جاء في تفسير "البحر المحيط" أنَّه يَحتمِل الوعد أو الوعيد؛ إذ يَحتمِل "تُوعدون" الأمرين، أنْ يكون مضارعَ "وعد"، ومضارع "أَوعَد"، وذكَر - تعالى - صفاتِ أهل النار وصفات أهل الجنة، وبعد ما ذكَر صفات أهل الجنة
قال - تعالى -: ﴿ وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ * وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ﴾، وكأنَّ المعنى يُشير بأن المؤمنين من صفاتهم أنَّهم يُفكِّرون في آيات الله التي في الأرض؛ كقوله - تعالى - في نفس السورة: ﴿ وَتَرَكْنَا فِيهَا آَيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ﴾ ومن صفاتهم أنهم يعلمون أنَّ الرزق وما وعدنا به الله مِثلَ نصْر المؤمنين وهلاك الظالمين يُطلَب منه ويُتوسَّل بطاعته لجلبِه، أو ربَّما تَعني ما يَحدُث في الأرض من آيات أمامنا عِظة وعبرة لوجود الخالِق، ومن السماء يأتي وعدُ الله ووعيده، وفي آخر السورة تَوعَّد الكافرين؛
فقال تعالى:﴿ فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ * فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ﴾ وبين المقدِّمة والخاتمة ذكَر الله - تعالى- أيضًا الخوارق التي جرتْ في الدنيا بإذنه أولاً عن طريق الملائكة الذين بشَّروا سيدنا إبراهيم ببشارة الوَلَد، وهم الذين دمَّروا قوم لوط وأَغرَقوا فرعون وجنوده، ولقد أقَسَم الله بهم في بداية السورة: ﴿ فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا ﴾، وتدمير عاد بالرياح، وقد أقَسَم الله تعالى بها، وثمود بالصاعقة، وقد أقَسَم - تعالى- بالسَّحاب في البداية، وإغراق قوم نوح، وفي المقابل إنقاذ المؤمنين، وقد أقَسَم - تعالى- بالجاريات وهي السفن، ثم قال تعالى: ﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ * وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ويُفهَم من السياق أنَّ المعنى هو أنَّ الله - تعالى-لم يَخلُق الجنَّ والإنس ذوي قوى خارِقة، وإنَّما خَلَقهم مُهيَّئين للعبادة فقط، ذكَر هذا المعنى الأخير السمين الحلبي في "الدُّر المصون" فقال: "أو يكون المعنى: إلاَّ مُعَدِّين للعبادة"، وكما قال تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ﴾
المقالات المتعلقة بوما خلقت الجن